* رائد المؤرخين العرب 85هـ- 151هـ
هو الإمام أبو بكر محمد ابن إسحاق بن يسار بن خيار المدني، كان مولى لقيس بن مخرمة بن المطلب القرشي، ولد في المدينة المنورة سنة 85هـ الموافق سنة 703م، وبها نشأ، وكان فتى جميلاً، وقرأ على علمائها ومحدثيها.
وكان جده يسار من سبي عين التمر حين إفتتحها المسلمون في خلافة أبو بكر الصديق، سنة 12هـ، وقد وجده خالد بن الوليد في كنيسة عين التمر من بين الغلمان الذين كانوا رهنًا في يد كسرى فأخذه خالد إلى المدينة.
سافر إلى الإسكندرية وحدث بها عن جماعة من علماء مصر، ومنهم عبيد الله بن المغيرة، ويزيد بن حبيب، وثمامة بن شفي، وعبيد الله بن أبي جعفر، والقاسم بن قزمان، والسكن بن أبي كريمة، والأعرج، وقد تخصص بالرواية عن هؤلاء المحدثين، وكان بحرًا من بحور العلم، ذكياً حافظاً.
¤ نشـــأته العلمية:
نشأته العلمية المبكرة كانت في أعظم حواضر العلم والمعرفة، وهي المدينة النبوية الشريفة، فتعلَّم على عُلمائها، وأخذ عن فقهائها، وسمع من محدثيها، فنال بذلك أسمى مراتب التعليم، حتى قيل: إنه رأى الصحابي الجليل أنس بن مالك، ورأى سيد التابعين سعيد بن المسيب.
وكان من أشهر شيوخه: سعيد المقبري، وعبد الرحمن بن هرمز، وعمرو بن شعيب، ومحمد بن إبراهيم التيمي، وأبو جعفر الباقر، والزهري، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم، ومحمد بن المنكدر، وغيرهم كثير.
ورحل في طلب العلم في مقتبل عمره إلى الجزيرة، والكوفة، والريّ، وبغداد، بل وصل الإسكندرية في رحلاته سنة خمس عشرة ومائة، وروى عن جماعة من أهل مصر، وقد قال ابن سعد رحمه الله: خرج من المدينة قديمًا، فلم يرو عنه أحد منهم غير إبراهيم بن سعد، وكان مع العباس بن محمد بالجزيرة، وأتى أبا جعفر بالحيرة، فكتب له المغازي، فسمع منه أهل الكوفة بذلك السبب، وسمع منه أهل الريّ، فرواته من هؤلاء البلدان أكثر ممن روى عنه من أهل المدينة.
¤ مـــنزلته العلمية:
حظي ابن إسحاق بمنزلة رفيعة بين علماء عصره، وذلك لسعة معارفه، وكثير إطلاعه، حتى قال عنه الإمام الذهبي: أول من دون العلم بالمدينة، وذلك قبل مالك وذويه، وكان في العلم بحرًا عجاجًا، ولكنه ليس بالمجود كما ينبغي.
ولذلك ما زال ثناء العلماء عليه عاطرًا من قديم الزمان:
قال علي بن المديني رحمه الله: مدار حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ستة:- فذكرهم- ثم قال: فصار علم الستة عند اثني عشر: أحدهم محمد بن إسحاق.
وقال الإمام الزهري: لا يزال بالمدينة علم جم ما دام فيهم ابن إسحاق.
هذا واشتُهر محمد بن إسحاق بإهتمامه البالغ في علم المغازي، حتى كان أول من جمع المغازي في مصنف كامل، وقال فيه الإمام الشافعي رضي الله عنه: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، وقال ابن عدي: لو لم يكن لابن إسحاق من الفضل إلا أنه صرف الملوك عن الإشتغال بكتب لا يحصل منها شيء، إلى الإشتغال بمغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم ومبعثه، ومبتدأ الخلق، لكانت هذه فضيلة سبق بها، وقال الإمام الذهبي: قد كان في المغازي علامة.
¤ تـأليفه للســيرة:
يعتبر المؤرخ المسلم محمد بن إسحاق بن يسار أول من كتب السيرة النبوية والمنسوبة خطأ لابن هشام، ولذلك يذكر ابن هشام في كل عبارة، قال محمد بن إسحاق في كتابه سيرة بن هشام، وعن أحمد بن عبد الجبار قال: قال يونس بن بكير: كل شيء من حديث ابن إسحاق مسند، فهو أملاه علي، أو قرأه علي، أو حدثني به، وما لم يكن مسندًا، فهو قراءة، قرئ على ابن إسحاق.
وعند المسلمين إجماع على أن أوائل المصنفين في السيرة محمد بن إسحاق، وقد إتفق جمهور العلماء والمحدثين على توثيقه، إلا ما روي عن مالك، وهشام بن عروة بن الزبير من تجريحه، وقد حمل كثير من العلماء المحققين تجريح هذين العالمين الكبيرين له بعداوات شخصية كانت قائمة بينهما وبين ابن إسحاق.
¤ أشـــهر مؤلفاته:
مؤلفه الذي اشتهر به -ولم نقف له على غيره- هو كتابه المشهور بـ المغازي، ولم يظهر حتى الآن كاملاً، وإنما طبع قسم منه بتحقيق الدكتور محمد حميد الله، وطبع أيضًا القسم نفسه بتحقيق الدكتور سهيل زكار، ونرجو أن يظهر قريبًا كاملا بإذن الله، غير أن الكتاب حفظ لنا من خلال إختصار ابن هشام له، فيما يعرف بـ السيرة النبوية لابن هشام الذي روى مغازي ابن إسحاق عن تلميذ ابن إسحاق زياد البكائي المتوفى سنة 183هـ.
¤ وفاتـــــه:
توفي المؤرخ محمد بن إسحاق في بغداد سنة 151 هـ/ 768م، ودفن في مقبرة الخيزران.
المصدر: موقع رسالة الإسلام.